سورة المؤمنون - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المؤمنون)


        


قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني: التوراة، أُعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون {لعلَّهم} يعني: بني إِسرائيل، والمعنى: لكي يهتدوا.
قوله تعالى: {وجعلنا ابن مريم وأُمَّه آيةً} وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: {آيتين} على التثنية، وهذا كقوله: {وجعلناها وابنها آية} [الانبياء: 91] وقد سبق شرحه.
قوله تعالى: {وآويناهما} أي: جعلناهما يأويان {إِلى ربوة} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: {رُبوة} بضم الراء. وقرأ عاصم، وابن عامر: بفتحها. وقد شرحنا معنى الربوة في [البقرة: 265]، {ذاتِ قرار} أي: مستوية يستقر عليها ساكنوها، والمعنى: ذات موضع قَرار. وقال الزجاج: أي: ذات مستقَرّ {ومَعِينٍ} وهو الماء الجاري من العيون. وقال ابن قتيبة: {ذات قرار} أي: يُستقَرُّ بها للعمارة، {ومَعينٍ} هو الماء الظاهر، ويقال: هو مَفْعُول من العين، كأنّ أصله مَعْيُون، كما يقال: ثوب مَخِيط، وبُرٌّ مَكِيل.
واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال.
أحدها: أنها دمشق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال عبد الله بن سلام، وسعيد بن المسيب.
والثاني: أنها بيت المقدس، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال قتادة. وعن الحسن كالقولين.
والثالث: أنها الرملة من أرض فلسطين، قاله أبو هريرة.
والرابع: مصر، قاله وهب بن منبه، وابن زيد، وابن السائب.
فأما السبب الذي لأجله أَوَيَا إِلى الربوة، فقال أبو صالح عن ابن عباس: فرَّت مريم بابنها عيسى من ملكهم، ثم رجعت إِلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة. قال وهب بن منبه: وكان الملك أراد قتل عيسى.


قوله تعالى: {يا أيها الرسل} قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وقتادة في آخرين: يعني بالرسل هاهنا محمداً صلى الله عليه وسلم وحده، وهو مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجميع، ويتضمن هذا أن الرسل جميعاً كذا أُمِروا، وإِلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة، والزجاج، والمراد بالطيِّبات: الحلال. قال عمرو بن شرحبيل: كان عيسى عليه السلام يأكل من غَزْل أُمِّه.
قوله تعالى: {وأنَّ هذه أُمَّتُكم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {وأنَّ} بالفتح وتشديد النون. وافق ابنُ عامر في فتح الألف، لكنه سكَّن النون. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: {وإِنَّ} بكسر الألف وتشديد النون. قال الفراء: من فتح، عطف على قوله: {إِني بما تعملون عليم} وبأنَّ هذه أُمَّتُكم، فموضعها خفص لأنها مردودة على {ما}؛ وإِن شئتَ كانت منصوبة بفعل مضمر، كأنك قلت: واعلموا هذا؛ ومن كسر استأنف. قال أبو علي الفارسي: وأما ابن عامر، فإنه خفف النون المشدَّدة، وإِذا خُفِّفت تعلَّق بها ما يتعلَّق بالمشدَّدة. وقد شرحنا معنى الآية والتي بعدها في [الأنبياء 92] إِلى قوله: {زُبُراً} وقرأ ابن عباس، وأبو عمران الجوني: {زُبَراً} برفع الزاي وفتح الباء. وقرأ أبو الجوزاء، وابن السميفع: {زُبْراً} برفع الزاي وإِسكان الباء. قال الزجاج: من قرأ {زُبُراً} بضم الباء، فتأويله: جعلوا دينهم كُتُباً مختلفة، جمع زَبُور. ومن قرأ {زُبَراً} بفتح الباء، أراد قِطَعاً.
قوله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بما لديهم فَرِحُون} أي: بما عندهم من الدِّين الذي ابتدعوه مُعْجَبون، يرون أنهم على الحقّ.
وفي المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم أهل الكتاب، قاله مجاهد.
والثاني: أنهم أهل الكتاب ومشركو العرب، قاله ابن السائب.
قوله تعالى: {فَذَرْهُم في غَمرتهم} وقرأ ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب: {في غمراتهم} على الجمع. قال الزجاج: في عَمايتهم وحَيرتهم، {حتى حين} أي: إِلى حين يأتيهم ما وُعدوا به من العذاب. قال مقاتل: يعني كفار مكة.
فصل:
وهل هذه الآية منسوخة، أم لا؟ فيها قولان:
أحدهما: أنها منسوخة بآية السيف.
والثاني: أن معناها التهديد، فهي محكَمة.
قوله تعالى: {أيَحْسَبُون أنَّمَا نُمِدُّهُم به} وقرأ عكرمة، وأبو الجوزاء: {يُمِدُّهم} بالياء المرفوعة وكسر الميم. وقرأ أبو عمران الجوني: {نَمُدُّهُم} بنون مفتوحة ورفع الميم. قال الزجاج: المعنى: أيحسبون أن الذي نمدهم به {من مال وبنين} مجازاة لهم؟! إِنما هو استدراج، {نُسَارِعُ لهم في الخيرات} أي: نسارع لهم به في الخيرات. وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وأيوب السختياني: {يُسَارِعُ} بياء مرفوعة وكسر الراء. وقرأ معاذ القارئ، وأبو المتوكل مثله، إِلا أنهما فتحا الراء. وقرأ أبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: {يُسْرَعُ} بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف.
قوله تعالى: {بل لا يَشْعُرُون} أي: لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم.


ثم ذكر المؤمنين فقال: {إِنَّ الذين هم من خَشية ربِّهم مُشْفِقُون} وقد شرحنا هذا المعنى في قوله: {وهم من خشيته مشفقون} [الانبياء: 28].
قوله تعالى: {والذين يُؤتُون ما آتَوا} وقرأ عاصم الجحدري: {يأتون ما أتوا} بقصر همزة {أتوا}. وسَألتْ عائشةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقالت: يا رسول الله، أهم الذين يُذنبون وهم مشفقون؟ فقال: «لا، بل هم الذين يصلُّون وهم مشفقون، ويصومون وهم مشفقون، ويتصدَّقون وهم مشفقون أن لا يُتقبَّل منهم» قال الزجاج: فمعنى {يؤتون}: يُعطون ما أَعْطَوا وهم يخافون أن لا يُتقبَّل منهم، {أنهم إِلى ربِّهم راجعون} أي: لأنهم يوقنون أنهم يرجعون. ومعنى {يَأتون}: يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصِّرين، {أولئك يسارعون في الخيرات} وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: {يُسْرِعون} برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف. قال الزجاج: يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد، إِلا أن سارعت أبلغ من أسرعت، {وهم لها} أي: من أجلها، وهذا كما تقول: أنا أُكرم فلاناً لك، أي: من أجلك. وقال بعض أهل العلم: الوجل المذكور هاهنا واقع على مُضْمَر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7